Logo 2 Image




الحصانة البرلمانية

من الواضح أن المجالس النيابية تضطلع بوظائف ومهام جسيمة، فهي من تسن القوانين التي تحدد معالم السياسات الحكومية على الصعيد الداخلي والخارجي كما أنها تراقب سياسات الحكومة الداخلية والخارجية من النواحي السياسية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

فلذلك أعطى الدستور الأردني مجموعة من الحصانات لأعضاء مجلس النواب الأردني وذلك من اجل أن يمارسوا أعمالهم دون أية قيود تحد من حريتهم وتحفظ لهم الاستقلالية بالشكل الذي يبعدهم عن أي تهديد أو وعيد أو ضغط يمارس عليهم، والحيلولة دون إعاقتهم عن متابعة أعمالهم على أكمل وجه.

فلا يجوز خلال دورة انعقاد المجلس ملاحقة العضو جزائياً أو اتخاذ إجراءات جزائية أو إدارية بحقه أو القاء القبض عليه أو توقيفه إلا بإذن المجلس، باستثناء حالة الجرم الجنائي المشهود، وفي حالة القبض عليه بهذه الصورة يجب إعلام المجلس بذلك فوراً.

وإذا أوقف عضو لسبب ما خلال المدة التي لا يكون فيها المجلس منعقداً، فعلى رئيس الوزراء أن يبلغ المجلس عند اجتماعه الإجراءات المتخذة مشفوعة بالإيضاح اللازم، وللمجلس أن يقرر استمرار تلك الاجراءات أو إيقافها فوراً.

وعليه فإن الحصانة هنا تقضي بعدم جواز اتخاذ إجراءات التوقيف والمحاكمة بحق عضو مجلس النواب في غير حالة التلبس أثناء الانعقاد إلا بعد الحصول على أذن المجلس وهذا ما يطلق عليه بالحصانة البرلمانية الإجرائية أما الحصانة البرلمانية الموضوعية فتتمثل بعدم جواز مؤاخذة أعضاء البرلمان جزائيا ومدنيا في أي وقت من الأوقات عما يبدونه من آراء أو أفكار بمناسبة قيامهم بعملهم البرلماني، ولقد جاء الدستور الأردني صريحا في أخذه بهذا النوع من الحصانة حيث نصت المادة (87) منه على انه" لكل عضو من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب ملء الحرية في التكلم وإبداء الرأي في حدود النظام الداخلي للمجلس الذي هو منتسب إليه ولا يجوز مؤاخذة العضو بسبب أي تصويت أو رأى يبديه أو خطاب يلقيه في إثناء جلسات المجلس".

وعندما يطلب من مجلس النواب رفع الحصانة عن عضو من أعضائه فهو لا يبحث في موضوع الوقائع المنسوبة إليه بحثا قضائيا ليبين الإدانة أو البراءة وإنما يفحصها فحصا سياسيا للتأكد فقط من كون الاتهام جديا أو كيديا وليد دوافع أو أغراض انتقامية تهديديه، فإن ظهر للمجلس جدية الاتهام وجب عليه رفع الحصانة البرلمانية عن عضو البرلمان وهذا ما أكده النظام الداخلي لمجلس النواب في المادة (150) منه حيث نصت على انه "ليس للمجلس أن يفصل في موضوع التهمة وإنما يقتصر دوره على الإذن باتخاذ الإجراءات القانونية أو الاستمرار فيها متى تبين له أن الغرض منها ليس التأثير على النائب لتعطيل عمله النيابي".

وفيما يتعلق بالتطور التاريخي للحصانة البرلمانية في الأردن فإننا نرى أن القانون الأساسي لعام 1928 لم يتضمن عند صدوره أية إشارة إلى الحصانة البرلمانية الموضوعية (الحصانة ضد جرائم الرأي) أو الحصانة البرلمانية الإجرائية (الحصانة ضد الإجراءات الجزائية) كضمانات من ضمانات المجلس التشريعي.

وقد كانت الحصانة البرلمانية من أهم المواضيع التي طرحها أعضاء المجلس التشريعي، حيث رفضوا النظر في جدول الأعمال الموكلة إليهم والتي كان على رأسها التصديق على المعاهدة الأردنية البريطانية إلا بعد إقرار نصوص تمنح أعضاء المجلس التشريعي الحصانة البرلمانية، فما كان من الأمير عبدالله إلا أن تدخل لفض النزاع لصالح المجلس التشريعي وتم منح أعضائه الحصانة البرلمانية بموجب تعديل القانون الأساسي لعام 1928 وقد جاءت المادة (41) من القانون الأساسي بعد التعديل لتؤكد على انه لا يلقى القبض على احد أعضاء المجلس التشريعي أو يحاكم خلال الدورة ما لم يعلن بقرار وجود سبب كاف لمحاكمته أو انه القي القبض عليه أثناء ارتكابه الجناية، ولكل عضو من أعضاء المجلس الحرية في التكلم ضمن حدود النظام الداخلي الذي اقره المجلس ولا تتخذ بحقه إجراءات قانونية من اجل أي تصويت أو رأي أو خطاب يلقيه، وإذا القي القبض على عضو لسبب ما خلال المدة التي لا يكون المجلس منعقدا فيها فيبلغ رئيس الوزراء عندما يعيد اجتماعه الإجراءات المتخذة مع الإيضاح اللازم.

وبعد إلغاء القانون الأساسي لعام 1928 وإصدار دستور 1947 أكد هذا الدستور في المادة (54) منه على انه لا يوقف احد الأعضاء ولا يحاكم في مدة اجتماع المجلس ما لم يصدر في المجلس الذي هو منتسب إليه قرار بالأكثرية بوجود سبب كاف لمحاكمته أو ما لم يقبض عليه حين ارتكاب الجناية ولكل عضو الحرية في التكلم ضمن حدود نظام المجلس الذي هو منتسب إليه ولا تتخذ إجراءات قانونية من اجل أي تصويت أو رأي يبديه أو خطاب يلقيه، وإذا أوقف عضو لسبب ما خلال المدة التي لا يكون المجلس منعقدا فيها فيبلغ رئيس الوزراء المجلس عندما يعيد اجتماعه الإجراءات المتخذة مع الإيضاح اللازم.

مع الإشارة هنا إلى أن النظام الداخلي لمجلس النواب في تلك الفترة لم يتضمن أية إشارة إلى الحصانة البرلمانية بشقيها الموضوعي والإجرائي ولم يبين الآلية القانونية لرفع الحصانة.

وبعد ذلك صدر دستور 1952 والذي نص على الحصانة البرلمانية في مواده (86) و(87) والمذكورتين سابقا فدستور (1952) اوجب على الحكومة في حال القبض على العضو في حالة التلبس بالجريمة إعلام المجلس فورا وهذا ما لم يكن منصوصا عليه في دستور 1947.

والنظام الداخلي الحالي لمجلس النواب والصادر عام 2013 جاء متطورا ومنسجما مع ما تتطلبه الحياة النيابية والديمقراطية، ففيما يتعلق بالحصانة البرلمانية فقد أكد النظام الداخلي في المادة (146) منه على الحصانة البرلمانية الإجرائية ووسع من نطاقها الإجرائي ليشمل امتناع اتخاذ أية إجراءات جزائية أو إدارية بحق عضو البرلمان في إثناء فترة انعقاد المجلس باستثناء حالة التلبس بالجريمة.

كما بين النظام الداخلي إجراءات رفع الحصانة عن عضو مجلس النواب حيث يقدم رئيس الوزراء طلب الإذن باتخاذ الإجراءات الجزائية إلى رئيس المجلس مشفوعا بمذكرة تشتمل على نوع الجرم ومكانه وزمانه والأدلة ويقوم رئيس المجلس بإحالة الطلب إلى اللجنة القانونية لفحصه والنظر فيه وتقديم تقرير عنه خلال مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً فأن لم يقدم التقرير خلال تلك المدة جاز للمجلس البت في الطلب مباشرة ويعرض تقرير اللجنة على المجلس لمناقشته للبت نهائيا بالأمر، فإذا وجد المجلس سببا كافيا لاتخاذ الإجراءات المطلوبة يتخذ قراره برفع الحصانة بالأكثرية المطلقة.

ولا بد من الإشارة هنا أن العضو الذي رفعت عنه الحصانة ولم يوقف له الحق في حضور جلسات المجلس واجتماعات اللجان والمشاركة في المناقشة والتصويت، كما انه ليس من حق النائب إن يتنازل عن حصانته دون موافقة المجلس.

ومن هذا كله نجد أن الحصانة البرلمانية ما هي إلا عبارة عن مجموعة من القواعد الخاصة المقررة كاستثناء للبرلمان لتأمين استقلاليته عن السلطات الأخرى ولتمكينه من القيام بواجباته الدستورية، وتتمثل هذه القواعد بعدم مؤاخذة أعضاء البرلمان عما يبدونه من أراء وأفكار بمناسبة قيامهم بعملهم البرلماني وعدم جواز اتخاذ إجراءات جزائية ضدهم إلا بعد الحصول على إذن المجلس التابعين له.

كيف تقيم محتوى الصفحة؟